فوائد الحجامة للجسم والعقل
الحجامة تُعد من أقدم وسائل العلاج التي استخدمها الإنسان عبر العصور، وقد عُرفت في الطب الصيني القديم، ومارستها حضارات عدة كالمصرية واليونانية والعربية. وقد ورد ذكرها في الأحاديث النبوية، مما أضفى عليها قيمة روحية وطبية كبيرة في المجتمعات الإسلامية. وتُعرف الحجامة بأنها وسيلة لسحب الدم الفاسد أو الراكد من الجسم، باستخدام كؤوس زجاجية أو بلاستيكية توضع على الجلد بعد إحداث ضغط سلبي بداخلها. ويتم ذلك إما بوضع الكؤوس مباشرة، وهو ما يعرف بالحجامة الجافة، أو عن طريق التشريط الخفيف للجلد بعد شفطه، فيما يُعرف بالحجامة الرطبة.
من أبرز جوانب أهمية الحجامة أنها تحفز الجسم على الشفاء الذاتي، فهي تعمل على تنشيط الدورة الدموية، ما ينعكس بشكل إيجابي على صحة الأعضاء والأنسجة. وعندما تتجدد حركة الدم في المناطق التي كانت خاملة أو راكدة، فإن هذا يساهم في نقل الأوكسجين والعناصر الغذائية الأساسية إلى الخلايا، ويساعد في طرد الفضلات المتراكمة في تلك الأنسجة.
الحجامة تساهم أيضًا في تخليص الجسم من التوتر الجسدي والعصبي، حيث يُلاحظ تحسن في الحالة النفسية للأشخاص الذين يخضعون لها. هذا التحسن قد يكون مرتبطًا بانخفاض مستويات هرمونات التوتر وزيادة الإحساس بالراحة والاسترخاء بعد الجلسة. وهي بذلك تفتح الباب أمام علاج بعض الاضطرابات النفسية المرتبطة بالإجهاد والتوتر، مثل الأرق، واضطرابات المزاج، وحتى بعض الحالات الخفيفة من الاكتئاب.
كما تعتبر الحجامة علاجًا تكميليًا فعّالًا للعديد من الأمراض المزمنة التي يعاني منها الإنسان المعاصر، مثل الصداع النصفي، والآلام العضلية، والمفصلية، وحتى بعض أنواع الحساسية. ولا يُقصد هنا أن تكون الحجامة بديلاً عن الطب الحديث، لكنها قد تشكل عنصر دعم قوي لتحسين جودة حياة المرضى وتحفيز أجسامهم على التفاعل الإيجابي مع العلاجات الدوائية أو النفسية.
كذلك تساهم الحجامة في تعزيز عمل الجهاز المناعي، إذ يعتقد العديد من المختصين أن التخلص من الدم الراكد أو الممتلئ بالشوائب يساعد في تحسين وظائف المناعة. وهذا يعني أن الجسم يصبح أكثر قدرة على التصدي للعدوى والفيروسات، وأقل عرضة لنوبات الالتهاب المتكررة.
ومن الآثار الجانبية التي تُشير إلى فاعلية الحجامة، ظهور بقع داكنة على الجلد بعد الجلسة، وهي تدل على تراكم الدم الراكد في تلك المنطقة. وتختفي هذه العلامات في غضون أيام قليلة، تاركة إحساسًا بالنشاط والخفة. ويرى من جربها أن هذه البقع بمثابة دليل على تنقية الجسم من السموم والركود.
تُستخدم الحجامة أيضًا للمساعدة في ضبط التوازن الهرموني لدى النساء، خاصة في حالات اضطرابات الدورة الشهرية، أو مشاكل الخصوبة، أو حتى الأعراض المصاحبة لانقطاع الطمث. كما يربط بعض المعالجين بين الحجامة وتحسين الحالة الهرمونية العامة للجسم، وهو ما ينعكس على المزاج والصحة الإنجابية.
وفي مجال العلاج الرياضي، أصبحت الحجامة خيارًا متزايدًا للرياضيين حول العالم. فالكثير من الأبطال العالميين يستخدمونها للتعافي من الإجهاد العضلي، وتحسين الأداء البدني، وتسريع عملية الشفاء من الإصابات. وظهرت صورهم بكؤوس الحجامة واضحة على ظهورهم في البطولات الدولية، مما ساهم في زيادة انتشار هذا العلاج بين عموم الناس.
الحجامة قد تُساهم أيضًا في تنظيم ضغط الدم، حيث يرى بعض المختصين أن سحب الدم من مناطق محددة قد يُساعد على تقليل التوتر الوعائي، مما ينعكس على استقرار ضغط الدم لدى المرضى الذين يعانون من ارتفاعه بشكل متكرر.
كما أشار بعض الخبراء إلى دور الحجامة في تحسين وظائف الكبد، والتقليل من تراكم السموم، وهي بذلك تدعم عمليات التنقية الداخلية التي يقوم بها الجسم، مما يعزز الإحساس العام بالحيوية والنشاط. وقد يشعر الشخص بعد الحجامة بنشاط ملحوظ، وزيادة في التركيز الذهني، وتحسن في الحالة العامة للطاقة.
أما من الناحية الوقائية، فإن الحجامة يمكن أن تُستخدم كوسيلة لصيانة الصحة العامة، حتى للأشخاص الذين لا يعانون من أمراض محددة. فكثير من الممارسين التقليديين ينصحون بها في مواسم معينة من السنة مثل الربيع والخريف، لاعتقادهم بأنها تقي من ظهور الأمراض الموسمية، وتُعيد التوازن للجسم في أوقات التحول المناخي.
من الناحية الشرعية والدينية، الحجامة تُعد سنة نبوية، وقد وردت في أحاديث صحيحة، مما يزيد من إقبال المسلمين عليها. ويجد البعض فيها جانبًا روحانيًا وعلاجيًا في آن واحد، حيث يشعر الشخص براحة نفسية بعد ممارستها، نابعة من إيمانه بأن هذه الوسيلة مرتبطة بتوجيهات نبوية.
تُستخدم الحجامة أيضًا كمكمل في علاج بعض أمراض الجلد، مثل الأكزيما والصدفية، حيث يُعتقد أنها تُساعد في تنشيط الدورة الدموية تحت الجلد، وتحسين تغذية الخلايا، ما ينعكس على نضارة البشرة وصحة الجلد بشكل عام.
عند الحديث عن الحجامة، لا بد من الإشارة إلى ضرورة أن تُمارَس على يد مختصين مؤهلين، يملكون المعرفة الجيدة بتوزيع نقاط الطاقة ومسارات الدم في الجسم. فالتطبيق العشوائي لها قد يُؤدي إلى نتائج غير مرضية، أو حتى إلى مضاعفات، لا سيما إذا لم تُراعَ فيها قواعد النظافة وال تعقيم.
خلاصة
أخيرًا، فإن الحجامة ليست مجرد وسيلة لإزالة الألم، بل فلسفة علاجية متكاملة تُعزز من قدرات الجسم الذاتية على الشفاء، وتُعيد إليه توازنه الداخلي. وقد أثبتت التجربة عبر العصور، أن هذا النوع من العلاج البديل لا يزال له مكانته، بل ويتزايد الاهتمام به يومًا بعد يوم، ليس فقط في المجتمعات التقليدية، بل أيضًا في الغرب، حيث بدأ الكثير من الأطباء والباحثين يدرسون أثره ويُجرون حوله دراسات علمية جادة.
.